Skip to content

Commentaries
Arabic
لوقا
  
ولادة يسوع المسيح في بيت لحم
(2: 1- 20)
2:1وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كلّ الْمَسْكُونَةِ.2وَهَذَا الاِكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَان كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ.3فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كلّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ.4فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضاً مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى اليهودّية، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الّتي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ،5لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى.6وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ.7فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ.


تحتاج كلّ دولة إلى المال الوفير، لتعدّ جيشاً قوياً، وتنظّم الدوائر الحكومية في كلّ المناطق وتبني قصوراً فخمة. ولهذا نظّمت الدولة الرومانية قانون الإحصاء كلّ أربع عشرة سنة مرّة واحدة، حيث يكتتب كلّ النّاس وممتلكاتهم في البلدان التابعة للأمبراطورية، ليأخذوا منهم الجزية. فسجّل الحكّام كلّ شجرة وبيت وحمار، وكلّ إنسان بإجبار وتعنيف وبثّوا جواسيسهم ليقبضوا على كلّ مَن تمنّع عن إعطاء أرقام صحيحة. ليستخرجوا في السنوات التالية ضرائب أكثر، بدون نظر إلى حالة موسم الحصاد أو الموت والحوادث الأخرى. فارتفعت تجاديف كثر وشتائم مِن أفواه النّاس، بسبب هذه المظالم زمن ولادة المسيح. لان كلّ المواطنين كرهوا هذا الإحصاء، فاسودّت القلوب وركض الجميع إلى مدن عائلاتهم للتسجيل، خوفاً مِن العقوبة والقصاص الشديد.
وهكذا جاء يوسف النجّار مِن الناصرة مع خطيبته مريم مذعناً لأمر قيصر، واتجها نحو مدينة بيت لحم ومعناها آنذاك بيت خبز، رمزاً للمسيح، الّذي هو خبزُ الله للعالم آتياً مِن بيت لحم.
تجشّم يوسف وخطيبته مشقّة السفر الطويل مسافة مئة وسبعين كيلومتراً، بين الجبال والهضاب واللصوص والمتربصين للانقضاض وسلب المسافرين وقتلهم. وما كان يوسف يرغب بهذه السفرة مع خطيبته الحبلى في أيامها الأخيرة ولكن ذلك كان أمراً لازماً مِن قبل الحكومة ولا بدّ منه.
ولكنّنا نجد هنا ميزة لقصّة ميلاد المسيح، وهي أنّ الله استخدم القيصر العظيم أغسطس، الّذي سمّى نفسه مخلّص العالم الباهر، ليحرّك موظفي دولته في كلّ المسكونة، ليتمّ الوعد المختصر بجملة قصيرة في سفر النبّي ميخا، إنّ مخلّص العالم الحق سيولد في بيت لحم وليس في روما الباهرة ولا الناصرة ولا القدس التّقية ولا الهيكلّ المقدّس، بل في قرية محتقرة، في عزلة العالم. وهكذا فإنّ الله يبتدئ عظائمه بهدوء وبأمور صغرى. ويستخدم ملوكاً ودولاً لإكمال خطّة خلاصه، ويصل إلى هدف مقاصده بعيداً عن كبراء وعظماء المجتمعات البشريّة.
ولمّا وصل يوسف إلى بلدته متأخّراً، كانت كلّ البيوت والفنادق ممتلئة بسب تزاحم القادمين مِن المهاجر للاكتتاب. فلم يجد مكاناً لمنامه، لأنّه في أوقات الشدة لا يجد إلاّ الأغنياء والوجهاء منزلاً وغذاء لاستبقالهم وإعالتهم. فوُلد ابن مريم في اسطبل كريه، ويشبه اللاجئين مِن أوّل يوم ميلاده، الّذين لا يجدون مأوى. وابتدأ مِن أوّل أيامه يواجه كوارث دنيانا. ونجد في هذه الولادة المحتقرة علامة على أنّه ليس لله مكان في عالم البشر. لأنّ بغضة الانانيين تطرد محبّة الأزلي إلى المحل الّذي لا يليق أنّ يُولد فيه، كالاسطبل المفعم بالجراثيم والروّائح الكريهة. ولكنّ الام كانت قد اعتنت بطفلها، وحضّرت أقمطة ولفّت المحبوب لحفظه ودفئه. ولا ريب أنّ يوسف قد وضع تبناً في المذود، لِيلين قبل أنّ يضع الوليد فيه. فتغيّر الاسطبل إلى موطن محبّة، تضيء كلّ فقر وضيق وتغلبه.
ووصول ابن الله إلى الاسطبل، لا يعني تعزية للبشر فقط، بل كذلك رجاء للحيوانات، لأنّ كلّ المخلوقات منتظرة إعلان ابن الله، وظهور الخليقة الجديدة (رومية 8: 19- 23). فنزل ابن الله مِن مجد سمائه رأساً إلى درجة حيث يشمل في فدائه كلّ الخليقة حتّى الحيوانات.
هكذا وُلد ابن العلي، وانتهت تسعة أشهر مليئة بكفاح روحي حول الإيمان والثقة في مريم ويوسف لأنّ المستحيل العجيب وهو تجسّد روح الله، فاق عقل العذراء وخطيبها. ولكن الملاك والرّوح القدس أكّدا كلاهما بكلّ وضوح أنّ الجنين في مريم كان حقّاً ابن الله الحي. فلم يكن بنتاً بل ابناً بكراً. أي فرح وشكر ورجاء انبعث حول المذود الحقير؟
فقد كمل الزمان وزار الله العالم، مصالحاً البشر لنفسه. فلا تنس أنّ نزول الله تحقّق في اسطبل، وليس في قصر، لكي يدرك كلّ النّاس ان الله ينزل إلى الأسفل. ولا يطلب منا صعوداً إلى العلاء. ان القدّوس يطلب الخطاة الضالين الفاشلين التائبين، لا المكتفين والأذكياء والأغنياء والمتكّبرين والأتقياء.
كيف يستبين قلبك؟ أيشبه اسطبلاً مفعماً بالأخطاء والخطايا، بدون تعزية وفائح الرائحة المستكرهة؟ أو أصبحت مذوداً حقيراً محضّراً ليسوع؟ فممّا لا ريب فيه، أنّ كلّ النّاس ممتلئون بالوحل، ولكن حيث يدخل المسيح القلب يبتدئ التطهير الإلهي. وابن الله، يضع فينا المحبّة والشكر والرجاء ويكون فرح في السماء بكلّ خاطئ يتوب، أكثر مِن تسعة وتسعين بارّاً لا يحتاجون إلى توبة. فأعدّ قلبك كما هو، ليحلّ المسيح فيك ويقدّسك لينير حضوره ذهنك فيمتلئ قلبك بالرّوح القدس.

الصَّلَاة
نشكرك أيّها المسيح، لأنّك أصبحت إنساناً. ونطلب الغفران، لأنّنا لم يكن لدينا إلا اسطبلاً وسخاً. امتلكني وطهّر قلبي، لكي يصبح مذوداً لك وتثبت فيّ بألوهيتك إلى الأبد.
السُّؤَال
لِمَ وُلد المسيح في اسطبل؟