Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
الختم الثالِث: لجالس على الفرس الأسود
(رُؤْيَا يُوْحَنَّا 6: 5- 6)
6:5وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الثالِث سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّالِث قَائِلاً هَلُمَّ وَانْظُرْ. فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ.6وَسَمِعْتُ صَوْتًا فِي وَسَطِ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ وَثَلاثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا.


يمسك حَمَل اللهِ مصير العالم بيده. يأمر بالبركة وَيَدَع الدَّيْنُوْنَة ينادى بها. وإذ لم تتب الشعوب مع إسرائيل، بالرغم من الحربين العالميتين الطاحنتين، باستثناء أفراد قلائل، اضطر الرب أن يهز وجود الناس أيضا لكي يدركوا: أننا متعلقون بمحبة الحمل، ونحيا من نعمته؛ فهو لم يصالحنا مع الله فقط، بل يأمر أيضا الريح والمطر، الصيف والشتاء، الحرب والسلام؛ ونحن بدونه لاشيء.

عَدَا الفارس الثالِث على فرس أسود في حلبة العالم. جلب معه ميزانا علامة على قلة المواد الغذائية والغلاء والجوع. استطاع الأغنياء، دون شك، أن يشتروا الخمر والزيت؛ أما العمال فكانوا بحاجة إلى أجرة اليوم كله لتأمين خبزهم اليومي أو علف دوابهم. أصبح كل شيء غاليا، وأضحى المال قليلا جدا. لعل السماء لم تمطر منذ زمن طويل، أو لم يفِضْ نهر النيل ويطمُ ماؤه. ربما توافدت أفواج اللاجئين بسبب الحروب الدموية أو افترس الجراد الحصاد كله، فقلت المواد الغذائية الأساسية وعانت البشرية ضيقا عظيما.

أسفرت الحروب والانقلابات والثورات في قرننا هذا عن توزع الشعوب والأمم الصامتة في مختلف أقطار العالم. فقد هرب 16 مليون نسمة من الهند إلى الباكستان والعكس بالعكس، وهرب 12 مليون نسمة من شرق ألمانيا إلى غربها، وتكاثرت مخيمات اللاجئين كالفطر، واستطاع قليلون فقط ممن كان وضعهم أفضل من سواهم أن يكونوا لأنفسهم وجودا جديدا. هرب من كمبوديا ومن فيتنام من استطاع أن يهرب. جعل الفزع من محاولة قتل الشعوب وعمليات الإبادة الجماعية كثيرا من أفراد العشائر أو عشائر بأكملها تختفي خلف الجبال والبحار. هرب إلى إسرائيل مليونا يهوديّ لينجوا من الاختناق بالغاز في زمن هتلر، وهرب عدد مماثل من الفلسطينيين إلى البلدان العربية المجاورة. تشرّد في قرننا أكثر من 100 مليون لاجئ من بلد إلى آخر، وقضى مئاتُ الآلاف نَحْبَهم جوعا في معتقلات (Gulag) وحدها، وهي مخيّمات الأشغال الشاقة التي أنشأها "ستالين" للتخلص من المنشقين عن سياسته.
ثمة مئات الآلاف، سواء في البلقان أو في تركيا، في إيران أو في أذربيجان، في رواندا أو في السودان، في ليبيريا أو في سيراليون، أو في أي مكان في العالم، بدون وطن، أو بدون عمل، أو بدون أقارب، أو بدون إمكانية للتفاهم بلغتهم الأم. برامج مساعدات هيئة الأمم محدودة, وأعين كثيرة تحملق بدون رجاء وبخوف من المستقبل، والجميع ينتظرون الجالس على الفرس الأبيض ليجلب لهم خبزا وسلاما.

توجد على أرضنا اليوم شعوب غنية وشعوب فقيرة. فثمة 36 دولة في العالم يعيش سكانها في مستوى متدن من المعيشة، حيث يعادل متوسّط الدخل الإجمالي السنوي للفرد أقل من 365 دولار أمريكي، ومن هذه الدول: أفغانستان، وبنغلادش، والصين، والهند، وكينيا، ونيجيريا، والسودان.
أما الدول الأفقر منها بدرجة فهي: إثيوبيا، وملاوي، وبوروندي، ورواندا، وسيراليون، وتشاد، وتنزانيا، وموريتانيا، حيث يعادل متوسط الدخل الإجمالي السنوي للفرد أقل من 180 دولار أمريكي، أي أقل من نصف دولار في اليوم. لا يمكننا أن نتصور هذا البؤس والتشاؤم، بل البغضاء أيضا عند ثلث سكان العالم الذين يعضهم الجوع بنابه نهاراً وليلا.
وتوجد في الوقت نفسه على أرضنا 52 دولة غنية بتكنولوجيا متطورة يتقاضى الفرد فيها أكثر بعشرة أضعاف مما يتقاضاه الفرد في الدول الفقيرة. تجد هنا، تلقائيّاً، التيار الكهربائي، والمياه الجارية، والشوارع المعبدة. ويحظى أيضا كل ولد بالتعليم والعناية الطبية.
وثمّة 9 دول (من أصل ال52 دولة الآنفة الذكر) تعتبر من أغنى دول العالم، حيث يتراوح متوسط الدخل الإجمالي السنوي للفرد ما بين 16000 و 20000 دولار. وهي: إسرائيل، والكويت، وبروني، والإمارات العربية المتحدة، وأوستراليا، وإنكلترا، وإيطاليا، وكندا، وفنلندة. يتقاضى الناس في هذه الدول أكثر بثلاثين إلى خمسين مرة مما يتقاضاه سكان الدول الفقيرة التي يبلغ متوسط الدخل الإجمالي السنوي للفرد فيها 365 دولارا.
يبدأ الإنتاج الإجمالي السنوي للفرد في هذه الفئة من الدول الغنية جدا في العالم ب25000 دولار، ويصل في بعض هذه الدول إلى 40000 دولار؛ ومن هذه الدول: أيسلندا، والسويد، وفرنسا، وسنغافورة، وبلجيكا، والنمسا، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والدانمارك، والنرويج، واليابان، وسويسرا، ولوكسمبورغ، حيث يتقاضى السكان أكثر بمائة مرة (وبعضهم 200 مرة) مما يتقاضاه سكان الدول الفقيرة. يعيشون في بحبوحة ولكنهم لا يكتفون بها.
وتتفاقم مشكلة تزايد عدد اللاجئين البؤساء الذين يزج بهم في البلدان الغنية مع تفاقم الجوع في البلدان النامية؛ فهل نحن مستعدون لهذا التطور؟

توجد مئات من الأسباب لعدم المساواة بين الجياع والشباعى، بين الفقراء والأغنياء؛ فالناس في العالم الثالِث يفتقرون إلى الاجتهاد والوعي بالمسؤولية والضمير، والمناخ في الشمال بارد ويجبر على النشاط، أما سكان شمال وجنوب خط الاستواء فهم يعانون أحيانا وطأة الحرّ الشديد الذي يؤخرهم في العمل وينمي الجراثيم والميكروبات في أجسادهم. لكن للإنجيل تأثيرا هاما، فهو يحرر الإنسان وينشطه إلى العمل والخدمة والتفكير.
يحمل الجالس على الفرس الأسود الميزان ليس بسبب غلاء المعيشة فقط، بل أيضا علامة على أنه يزن بالضبط إن كانت الشعوب الغنية تغير رأيها وتتعلم أيضا أن تضحي ببعض الأشياء للفقراء وتساعدهم كي يساعدوا هم أنفسهم. تسعى النقابات في الدول الصناعية دَائِماً إلى رفع الأجور بدلا من مساعدة الدول النامية، مما يؤدي إلى تزايد الإنتاج الآلي، فلا يمكن دفع الأجور العالية والضرائب. إن ازدياد عدد العاطلين عن العمل، وبخاصة في الدول الصناعية، هو نتيجة تعليم ضد المَسِيْح الذي يوقظ حلم فردوس العمل الذي لم يعدنا به الكتاب المقدس.
لا يمكن أن يحدث تغيير الرأي أو الاكتفاء أو انقلاب المدنية بدون إطاعة الإنجيل. وبهذا المعنى يكتب يعقوب كلمة هامة: "من يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فذلك خطيئة له" (يعقوب 4: 17).
يعدو الجالسان على الفرسين الأبيض والأسود في بلدان الأرض، ويدعان الجماهير تنساق بعضها ضد بعض.
من الظلم القبيح أن يكون، بحسب تعليمات صندوق الطفولة الدولي التابع للأمم المتحدة UNICEFفي البلدان النامية، 250 مليون ولدا مجبرين على الأعمال الشاقة، ومليونا قاصرة مجبرات على ممارسة الدعارة. سياحة الجنس مزدهرة. وفي الوقت نفسه تصرف المليارات على التسلح. بسعر دبابة واحدة يمكن أن يحظى 1000 ولد بالتعليم المدرسي. بسعر طائرة حربية واحدة يمكن بناء أكثر من 100 مستشفى ومدرسة في إحدى مناطق البؤس في عالمنا هذا.
ولكن معظم الأغنياء وجماهير الفقراء لا يستلهمون روح الحمل، ولهذا السبب يسقطون ضحية للجالسين على الأفراس: الأبيض والأحمر والأسود. يحتاج العالم اليوم إلى الإنجيل أكثر من أيّ وقت مضى، وكذلك إلى طاعة الإيمان وتحقيق محبة الحمل في جميع مجالات الحياة. وإذا لم يتم هذا فسيعمّ الجوع والبغض واليأس كبحر هائج مائج ويطمر مجتمع الرفاهية كموجة "التسونامي" Tsunami الهائلة التي تحدثها الزلازل في أعماق المحيط.

الصَّلَاة
أيُّها الآب السماوي، علمنا ابنك الحنون، أن نصلّي "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم". ولكن القليلون الَّذين يطلبون القوت والكسوة منك. بل يطمعون إلى المال والسلطة، ولا يبالون بالفقراء. امنح لنا قلوباً حنونة، لنساعد المحتاجين بالحكمة، ونربط الأفراد بالرزّاق الرحيم.
السُّؤَال
ماذا يسبب الفارس على الحصان الأسود؟